وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)
وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)
فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)
أرادَ اللهُ سبحانه وتعالى أنْ يجعَلَ القائِدَ العامَّ لهذهِ الأرضِ هوَ الإنسانُ، فإذا تحكَّمَتْ فيه الطَّاعةُ كانَ أفضلَ منَ المَلائكةِ لأنّه قاومَ الغرائِزَ وانتصرَ عليها، لذلك أمرَ اللهُ سبحانه وتعالى المَلائكةَ بالسُّجودِ للإنسانِ، والسُّجودُ هنا هو الانْحناءُ، فما وُضِعَتْ جبهةٌ على الأرضِ إلّا للهِ سبحانه وتعالى ، ولكنَّ إبليسَ أبَى واستكبَرَ، فأوَّلُ معصيةٍ وجريمةٍ حدثَتْ في السَّماءِ منَ الحَسَدِ، وذلك عندَما حسَدَ إبليسُ آدمَ عليه السلام لأنَّه ظنَّ أنَّه أفضلُ منْ آدمَ وتكبَّرَ.
وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)
أوَّلُ أمرٍ أرادَ اللهُ سبحانه وتعالى امتحانَ آدمَ وزوجَهُ هو امتحانُ الإرادةِ أمامَ المُغريات، وفَرّقَ اللهُ سبحانه وتعالى بينَ المَعصيةِ والإصرارِ عليها والخروجِ عنْ أمرِ اللهِ سبحانه وتعالى برغبةٍ أو بإصرارٍ أو بتحَدٍّ، فأعطانا اللهُ سبحانه وتعالى أنَّ الإنسانَ فيه أمرانِ اثنانِ هما الطَّاعةُ والشَّهوةُ، فآدمُ ما أخطَأَ إنَّما ابْتُلِيَ وكانَ الابْتلاءُ والامتحانُ، أمّا إبليسَ أبى واستكبَرَ وكانَ منَ الكافرينَ وتنكَّرَ وأصرَّ وخرَجَ عن الطَّاعةِ.
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)
فالطَّاعةُ تحرِّكُها المَلائكيَّةُ، أمّا الشّيطانُ فيحرِّكُ الجانبَ الغَرائزيَّ، وأرادَ اللهُ سبحانه وتعالى أنْ يعطيَ الإنسانَ درساً أنَّ هذا الشّيطانَ عدوٌّ لك أنتَ وذرِّيَتِك فاتّخِذْهُ عدوَّاً، وإذا لمْ تخضعْ للإرادةِ الصَّحيحةِ وخضعْتَ للغرائِزِ والشّهواتِ فقدْ حكمْتَ على نفسِكَ بالحرمانِ، وهناك صراعٌ بينَ الحقِّ والباطلِ وبينَ الطّاعةِ والمَعصيةِ وبينَ الإيمانِ والحقِّ، فايُّها البَشرُ لكم استقرارٌ تستقرّونَ به في هذهِ الحياةِ إلى يومِ معلومٍ ومَتاعٌ إلى حين، تَتمتَّعونَ في هذهِ الدُّنيا وما فيها إلى حينِ أنْ يقضيَ اللهُ سبحانه وتعالى أمراً كانَ مَفعولاً.
فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)
اللهَ سبحانه وتعالى ألهَمَ آدمَ كلماتٍ يقولُها فتابَ عليه، لَولا أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى أعلَمَنا وعلّمَهُ وعلّمَ الدُّنيا أنَّه قدَرٌ على آدمَ لَما ألهمَهُ تلكَ الكلماتِ مُباشرةً، والكلماتُ التي أُلْهِمَها آدمُ هيَ : يَا ربِّ أسالُكَ بحَقِّ مُحمّدٍ -صلى الله عليه و آله و سلم - لَمَا غفرْتَ لي، فكلّكُم أيُّها النّاسُ منْ أبيكم آدمَ إلى آخرِ مَخلوقٍ وإلى يومِ القيامَةِ تتوسَّلونَ بمُحمّدٍ صلى الله عليه و آله وسلم، فمُحَمّدٌ صلى الله عليه و آله و سلم نبيٌّ وآدمُ بينَ التُّرابِ وبينَ المَاءِ.