سورةُ الفاتحةِ هي أمُّ الكتابِ والسّبعُ المَثاني والقرآنُ العظيمُ فيها أجمَلَ اللهُ سبحانه وتعالى عظمتَهُ وصفاتِهِ وبيّنَ للخلقِ مَنْ هوَ اللهُ سبحانه وتعالى، فكانَتِ الفاتِحةُ هي العنوانُ الأساسيُّ والمُقدِّمةُ لكتابِ اللهِ سبحانه وتعالى حيثُ ابتدَأَ اللهُ سبحانه وتعالى:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
فكلُّ أمْرٍ لا يُبدَأُ ببسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ فهوَ أبتَرُ، فأجمَلَ اللهُ سبحانه وتعالى بهذهِ الكلماتِ معنى الألوهيّةِ والرّبوبيّةِ ومعنى ربِّ الإنسانيّةِ وإلهِ المؤمنين وهوَ اللهُ الرَّحمنُ، وهنا الرّحمنُ كلمةٌ مَعناها الشّموليّةُ لكلِّ الخَلقِ، وعدَلَ اللهُ سبحانه وتعالى معَك عندَما بيّنَ لك أنَّ هذهِ الدُّنيا تُؤخَذُ بالعِلمِ والمَعرفةِ والقوننَةِ والنَّواميسِ والبَديهيَّاتِ والأسسِ الّتي خُلِقَتْ عليها.
ولا تكتمِلُ العظمَةُ إلّا بالرَّحيمِ: الرَّحمنُ الرَّحيمُ، والرَّحمنُ كما قُلْنا هيَ لِعُمومِ الخَلقِ، والرَّحيمُ مُتعلِّقةٌ بالمُؤمنين كما قالَ اللهَ سبحانه وتعالى: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) سورة الأحزاب
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
هنا مَعنى العظمَة، وهنا ندرِكُ أنَّ الَّذي نحمَدُه هو ربُّ العالمِين كلِّهم، ونحمَدُ هذا الرَّبَّ وكمالَ عظمتِهِ أنَّه ربُّ العِبادِ كلِّهم ويُعطيهم ويَرزقُهم ويُداويهم ويَحفظُهم كلَّهم، ويريدُ الخيرَ لَهم كلِّهم حتَّى مَنْ يعصيه ومَنْ يخالِفُه، فقد جُبِلَتِ القُلوبُ على حبِّ مَنْ أحسَنَ إليها، لكنَّ الإنسانَ ظَلومٌ كفّارٌ.
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
هذا تَهديدٌ صريحٌ وتبشيرٌ صريحٌ، بشارةٌ وإنذارٌ، "مالِكِ يومِ الدِّين" أيُّها العِبادُ مَنْ كانَ مُؤمناً أو كانَ كافراً، فالمُلكُ في الدُّنيا والآخرةِ للهِ سبحانه وتعالى الواحدِ القهّارِ، فكلُّ المَخلوقاتِ أسلمَتْ طَوعاً أو كَرهاً إلّا إرادةُ الإنسانِ حرَّرَها اللهُ سبحانه وتعالى وجعَلَها مُختارةً وجعَلَ له الوسائِلَ التي ترشدُهُ إلى الطَّريقِ القويمِ.
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
يقولُ اللهُ سبحانه وتعالى مُعلّماً لِعبادِه وناطقاً باسمِ مُطيعِيهِ: يا ربُّ إيَّاكَ نَعبدُ لا شريكَ لكَ وبكَ نَستعينُ على هذهِ العِبادةِ وهذهِ الطَّاعةِ والاستِمرارِ في الخُضوعِ إليكَ، فعلى ماذا نستعينُ؟ فجاءَ الجوابُ:
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
وما هوَ الصِّراطُ المُستقيمُ؟
هوَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ
مِنْ أنبيائِكَ ورُسلِكَ وأوليائِك وشُهدائِك وعُبّادِك والَّذينَ سارُوا على نَهجِ كُتُبِكَ ورِسالاتِكَ مِنْ كلِّ الخَلقِ واستمرُّوا عليهِ وماتُوا عليهِ، وصراطُ الحياةِ المُستقيمِ بكلِّ جوانِبِها هوَ الإسلامُ، والإسلامُ هوَ الاستسلامُ للهِ سبحانه وتعالى والخُضوعُ لهُ والاستِعانةُ بهِ.
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
هو كلُّ إنسانٍ قامَ بعملٍ أغضَبَ اللهَ سبحانه وتعالى مُسلماً كانَ أو يهوديّاً أو نَصرانيّاً.
ولا الضَّالينَ
كلُّ إنسانٍ آمنَ وأسَلَم وخضَعَ وعرفَ الحقَّ ولَجأَ إليه وصدَّقَهُ وآمنَ ودَعا إليهِ ثمَّ تنكَّرَ لهُ وسارَ وراءَ دُنيا ووراءَ مَصالحَ ووراءَ شَهواتٍ ووراءَ مَنفعَةٍ فهؤلاء همُ المَغضوبُ عليهمْ والضَّالُّونَ.